الدروشة والهري الروحي - كبسولة روحية (2)



لمواخذة في كلمة "هري روحي" بس باسلوب شبابي كده كلمة "هري" كلمة بتعبر عن الكلام اللي ملهوش اي لزمة ولا قيمة بس بنسمعه وخلاص، شبه الحال اللي بقي في حياتنا الروحية كده، عايشين في كمية "هري روحي" كبيرة جداً، لا عارفين ايه اللي بنصلي بيه ولا عارفين بنصلي ليه ولا بنعبد ليه وفي نفس الوقت بنتعمق في السطحية بشكل رهيب "بالمناسبة التعمق في السطحية اني اتعمق مثلاً ليه بناكل قصب وقلقاس في عيد الظهور الالهي (الغطاس)"، ولما تيجي تكلم حد من الدرويش اللي من النوع ده في امور لاهوتية او تتكلم معاه في موضوع عقيدي بحت وتوضح تفكير ارثوذكسي ولا حاجة، يقولك: "يا عم خليك بسيط بلاش تعقيد" اصبح اللاهوت تعقيداً واصبح اعلان الله عن ذاته للبشر امر تقيل علي قلب مؤمني الله ان يقبلوه بسبب الدروشة والهري الروحي الكتير اللي بقي منتظر في كل العظات اللي اصلاً بقي الشعب حفظها، بقينا بندرس في كلية لاهوت قسم عظات قبطية

الـ "هري الروحي" ده خلنا مش بس نسطح الامور، لكن بقيت حياتنا الروحية كده زي ما بيقول الكتاب في سفر الرؤيا "أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي."[1]، ايوه زي ما انت بتقول كده بالضبط، بتحولنا لحالة من الفتور الروحي، اللي هو لا انت عاوز تروح الكنيسة ولا تحضر اجتماعات ولا عظات، ويمكن فعلاً يكون قلبك تايب وعايش حياة توبة حقيقة زي ما اتكلمنا عن (الميطانيا #سر_التوبة #كبسولة_روحية)، لكن للاسف عندك حالة من البرود الروحي والتشيت اللي مخليك مش عاوز لا تسمع حاجة ولا تقبل اي حاجة تخص الكلام عن الله! يا اما بتدخل في حالة اخري وهي حالة الدروشة تروحن كل الامور وتبقي حياتك بتنحصر في عبادة شكلها الخارجي جميل وشكلها الداخلي مليان فريسية "بنقصد بالفريسية عبادة الكتبة والفريسين قبور مبيضة من الخارج ومن الداخل عظام وكل نجاسة[2]"، طيب نعمل ايه بقي في الموضوع ده؟!

#البساطة (الفرق بين البساطة الحقيقة وبساطة السذاج):

من اكثر الاشياء اللي بتخلينا ندخل في الحالة ده "حالة الدروشة والهري الروحي" هو فهمنا الخطأ لمفهوم البساطة!!! ليه بقي؟ لما واحد بيبدأ يدخل للاعماق الناس تقعد تقول عليه انت معقد او انت مش بسيط او انت متكبر وكلام ملهوش اي ستين لزمة، لكن في الحقيقة ده بتكون اول خطوة هو بيدخل فيها للعمق لانه زي ما قال الرب يسوع "وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ"[3]، فصعب تكون ماشي تمام وتلقي الناس كلها متفقة معاك لازم يبقي فيه مناوشات وطبعاً من الجمل الشهيرة اللي بنسمعها "حينما يتحاور اللاهوتيين يتسلل البسطاء الي الملكوت" واللي منعرفش هي بتنسب لمين في الاصل ولكن في كل الاحوال هي جملة غير ارثوذكسية وغير سلمية من كل الاتجاهات، ليه بقي لانه جعل اللاهوت حاجة معقدة غير قابلة للفهم بالنسبة للبسطاء مع ان الرب يسوع علمنا غير كده اصلا!

طيب الرب يسوع علمنا ايه؟! علمنا ان البساطة هي اللي هتخلينا نفهم اللاهوت وتعلن لينا مجد الاب عن طريق الرب يسوع بالروح القدس، فقال: "وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ."[4]، كلام الرب واضح، مش معني كده اننا نبقي جهلاء ونقول ان اللاهوت صعب وان بعدنا عن اللاهوت هيخلينا نتسلل للملكوت ليه بقي لانه القديس بولس وضح الموضوع ده وجابه من الاخر وقال: "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا فِي أَذْهَانِكُمْ، بَلْ كُونُوا أَوْلاَدًا فِي الشَّرِّ، وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ"[5]، هي ده بساطة الاطفال اللي يقصدها الرب يسوع، بساطة في فعل الشر، ابقي مش عارف اعمل الشر لان لي ذهن ولد في الشر، اما فيما يخص الروح والعبادة انا محتاج يكون لي ذهن كامل!

ذهبي الفم بيقول "لأن من هو طفل في الشر يلزم أن يكون أيضًا حكيمًا. وحيث أن الحكمة مع الشر ليست حكمة هكذا أيضًا البساطة مع الغباوة ليست بساطة. يلزم مع البساطة أن نتجنب الغباوة، ومع الحكمة نتجنب الشر"[6] والتعليق واضح لانه وضح ان في نوع من البساطة ممزوج بغباوة "جهل يعني" وده رفضه القديس بولس زي ما فهمنا من كلم ذهبي الفم، وعليه فان الجملة الغريبة اللي قولنا مش عارفين منسوبة لمين ده بتقودنا للجهل "الغباوة" اللي بيتكلم عليها ذهبي الفم وفي نفس الوقت بتخلينا نكسر وصية الرب يسوع واللي علمنا: "فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ"[7] احنا نمسك في البساطة ونقول اللي احنا عاوزينه فيها ونوعظ عظات كتير، اما بالنسبة للحكمة فبتعدي كده مرور الكرام! وده غالباً من ضمن الحاجات اللي بتدفعنا للفتور الروحي وبقوة 

يبقي #الخلاصة نفهم ان مفيش حاجة اسمها "حينما يتجادل اللاهوتيين يتسلل البسطاء الي الملكوت" لان لو انت بسيط في الشر وفي الذهن كامل هتبقي لاهوتي اصلاً بس مش لاهوتي لانك قريت كتابين لاهوت لا لان يسوع اعلن لك عن ذاته بالروح القدس، والاعلان ده اعلان دائم ومستمر ومش بيتوقف فبالتالي هتفضل كل يوم عندك جديد ومتجدد ومش هتحس "بالدروشة او الهري الروحي"!


في حد يقدر يقول ان طقس الكنيسة وحش؟! حد يقدر يقول ان الصلاة بالاجبية وحشة؟! او سيبك حد يقدر يتكلم عن الكتاب المقدس ويقول ان نمطي قوي والحياة الروحية فيه خنيقة؟! غالباً كلنا بنقول الكلام ده بس من تحت لتحت كده من غير ما حد ياخد باله علشان هيقولوا علينا ان احنا مش ارثوذكسين ويقولوا علينا مهرطقين وانجليين وبروتستانتي وممكن نطلع احنا اللي كلنا الجبنة كمان :D

الروحانية الفريسية هي عبارة عن انك بتعيش حياة نمطية جداً ومقيدة جداً بنصوص وطقوس وصلوات معينة وده بعيدة كل البعد عن المسيحية اللي مبدأ العبادة فيها الحرية زي ما بيقول القديس بولس: "فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ"[8]، روح التقوي الارثوذكسية هي روح حرة غير مرتبطة الا بشيء واحد الا وهو الحب الالهي، اللي بيدفع القلب بقوة للعبادة والصلاة وغيرها، لكن الحاجة اللي عاوزين نركز غليها هنا هو فهمنا للطقوس والصلوات الليتورجيا[9] والحياة الروحية فهم لاهوتي سليم، بيخلينا نشوف الكنيسة بالروح مش بالعيوان الخارجية، نبدأ نفهم الطقس ده جه منين والليتورجيا ده جت منين، ليه بنصلي ونقول كده وليه ميتقلش كده، نفهم ونعمق كل لفظ بنصلي بيه مش مجرد نعمل البغبانات، لان ببساطة ربنا مش عاوز بغبغانات ربنا عاوز قلوب تعبده بالروح والحق، وبالمناسبة الفعل اليوناني لكلمة ساجدون (προσκυνητής) وتنطق "pros-koo-neh'-o " واللي جت في (يو 4: 23) جت بمعني العاشق![10]، فالعبادة حركة حب بتنبع من الداخل مش مجرد شوية طقوس بنعملها وخلال بهدف ارضاء الله يعني.

يبقي #الخلاصة نفهم ان الطقوس والليتورجيات وغيرها من الاشياء الاعتيادية بتكون فاترة لو انا بعبد بالشكل عبادة فريسية لكن لو بفهم اللي بصلي بيه هيكون الوضع اكيد مختلف لاني وقتها هصلي بالروح واصلي بالذهن ايضاً فروحي هتصلي وذهني هيبقي ليه ثمر.


لازم نفهم شيء مهم جداً ان الله غير محدود ومقدرش اني احده لا في كلام لاهوتي ولا في نظريات لاهوتية باي شكل، ولكن في نفس الوقت هو بيعلن عن ذاته لكل شخص بيقبله من خلال الروح القدس، فلو انت دخلت في الحالة ده من الاعلان عمرك ما هتحس بالفتور وحتي لو وقعت في اي خطية فانت برضه هتقدر تتوب بسهولة لان الروح القدس اللي بيعلن ليك عن الله هيغير اعماقك بشكل مستمر فالخطوات سهلة..

1- ركز علي عمل الروح القدس في حياتك:
كتير اوي بنجري وراء الكتب والابحاث والشكل الاكاديمي علشان نتعلم اللاهوت وغالباً لو الدافع بتاعنا المعرفة بس فمش بنوصل لاي تقدم روحي، لانه ببساطة احنا بندرس اللاهوت علي انه فلسفة او متعة عقلية فقط، لكن لو بنطلب الروح القدس "الذي يرشد الي كل الحق" انه يشرح لينا ويوصف لينا اعماق اللاهوت، فالروح ما بيصدق انك تطلب علشان ينسكب فيك بغني ويعلن ليك عن غني الملكوت ووليمة العريس الحقيقة اللي مليان حرية وانطلق نحية الاب

2- كفاية هري روحي ودروشة:
لو انت من الناس اللي مقنعة ان اللاهوت ده حاجة كوخ ومش هينفع نقرب منه فاعرف انك في مرحلة الدروشة الغريبة او الهري الروحي فاهرب منها بسرعة بانك تعالج مشكلة السذاجة، وتبدأ تعمل (ميطانيا) في الموضوع ده، علشان الله يفتح عينك ويخرجك من جو الدروشة الروحية اللي انت عايش فيه، وتبدأ تعبد بحرية اكتر.

3- احكم علي الاشياء من باطن الامور مش من الظاهر:
طبعاً انا هنا بتكلم في حكم علي الامور ومش علي الاشخاص لان الحكم علي الاشخاص ادانة لكن انا بقول الفكر، وبالتالي انا محتاج احكم علي كل شيء من طقس وليتورجيات مختلفة وكل حاجة بسمعها في الكنيسة في ضوء عمقها مش سطحيتها وعلشان احكم علي اي تعليم روحي بسمعه اولاً لازم اكون مدي مساحة للروح القدس جوايا ان ينظف وداني انها تسمع كويس وتبقي مدربة علي صوت الروح.
ومنها هقدر اقيس كل تعليم علي شوية مصادر منها (الكتاب المقدس - كتابات الاباء الرسولين - قوانين المجامع الكنسية - كتابات الاباء المدافعين) علي الترتيب طبعاً كاهمية المصدر فاي تعليم كنسي مصدره هو الكتاب المقدس كما سلمه الاباء الرسل وفسره المدافعين واقرته بيه المجامع الكنسية المسكونية الثلاثة الكبري.

وده طبعاً مش تحديد للشكل التعليمي لان الروح يهب حيث يشاء لكن لا يمكن ان الروح يناقد نفسه، فغالباً لو خدت حاجة جديدة من الروح هتلقيها متفقة مع المصادر السابقة.

فادي مندي
21/1/2017

هوامش:
1- راجع (رؤيا 3: 15- 16)
2- راجع (متي 23)
3- راجع (لوقا 6: 26)
4- راجع (مت 18: 3)
5- راجع (1 كو 14: 20)
6- 1 In 1 Corinh., hom. 36:1
7- راجع (مت 10: 16)
8- راجع (كو 2: 16)
99- كلمة ليتورجيا هي كلمة ماخوذة عن الكلمة اليونانية لايوس اورجون مكونة من مقطعين (لايوس) والثانية (اورجون)، وتعني العبادة الشعبيه واستخدمت الكلمة في سفر اعمال الرسل لتدل علي العبادات الجماعية اللي بتشترك فيها الكنيسة كلها في وقت واحد وحديثاً استخدمناها في وصف الصلوات الطقسية زي القداس وصلاة الاجبية وغيرها..
10- ترجمة بين السطور للاب بولس فغالي ص449، Greek – English Lexicon of the new testament pa 548

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة