مخافة الله كأساس ليتورجية العهد القديم




[لقد استلمت الكنيسة تراثاً طويلاً وعميقاً من العهد القديم. وأغلى وأجمل ما في هذا التراث أن الله في العهد القديم خالق مهوب، سيِّد وربٌّ: « إن كنتُ أباً فأين كرامتي، وإن كنتُ سيِّداً فأين هيبتي »(ملاخي 1: 6). الله في العهد القديم سيِّد ورب، له كل الهيبة والكرامة. هذا ميراث استلمناه.

الأب عندما يربِّي ابنه، يُربِّيه على المخافة، فيبدأ الطفل يشعر بمخافة نحو أبيه. وعندما يكبر الطفل، يحبه والده ويعتبره أخاً له. ولكن إن لم تكن المحبة متأصِّلة على المخافة، فإنها لن تعيش. بمعنى آخر، لو أن الابن عاش مُدلَّلاً ولم يتعلَّم المخافة، ثم يحاول أن يُكوِّن علاقة على أساس المحبة، فلابد أن تفشل هذه العلاقة، لأن الابن - في هذه الحالة - سوف يستهزئ بأبيه، وأبوه لن ينال هيبته ولا كرامته، وللأسف هذه الصفة هي السائدة في هذا الجيل.] [1]

هذه الكلمات البديعة التي قالها المتنيح الاب متي المسكين في عظة له عن مخافة الله تعلمنا شىء هام عن جدا عن ألاساس الذي بنيت عليه الليتورجيا في كنيسة العهد القديم.

العبادة هي حالة من العشق، تنبع عن محبة قلبية للعابد اتجاه المعبود، كما فهمنها من كلمات الرب يسوع المعلم الصالح في انجيل معلمنا يوحنا، ولكن إن لم تكن المحبة متأصِّلة على المخافة، فإنها لن تعيش، وبالتالي لن تدوم معها العبادة، وان ظهرت عبادة من قلب محبته غير مبنة علي أساس مخافة الله، فسيتحول هذا القلب بعد فترة الي نوع من العبادة النافلة التي تكلم عنها القديس بولس الرسول [التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة ما من جهة اشباع البشرية] (كو 2: 23)، اي أن عبادتنا ستتحول من أساسها القلبي القائم علي المحبة، الي نوع من العبادة الشكلية التي كان يتخدها الفريسين كمنهج، والتي رفضها الرب يسوع بشده ووبخها، فمن هنا نفهم ان عبادتنا ان لم تكن نابعة عن محبة حقيقية مؤسسة علي مخافة الله، فلن تصل بنا الي ارضاء قلب الله المحب، اذ هو يطلب منا فقط ان نحبه كأساس لعبادتنا كما علمنا: [فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. 38 هذه هي الوصية الاولى والعظمى] (مت 22: 37-38).

وعلي هذا الأساس اي مخافة الله قامت كنيسة العهد القديم، وكما ذكر الاب متي المسكين، انها الميراث الذي ورثته كنيسة العهد الجديد عن كنيسة البرية.

ظهر هذا الاساس حينما جاء الله علي جبل سيناء، فقال الله لموسي: [وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخّن. ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد. 19 وقالوا لموسى تكلم انت معنا فنسمع. ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت. 20 فقال موسى للشعب لا تخافوا. لان الله انما جاء لكي يمتحنكم ولكي تكون مخافته امام وجوهكم حتى لا تخطئوا.] (خر 20: 18- 20)

ومن علي الجبل وفي وسط مخافة الله خرجت كنيسة العهد القديم لتكن اول كنيسة بليتورجيتها البديعة وطقسها السماوي، ولاول مرة يسكن الله في وسط شعبه ويتكلم معاهم ويتكلمون معه، وفي رحلتنا بحثاً عن تعاملات الله مع شعبه وتطور الليتورجيا والطقس عبر الاجيال وصولاً الي كنيستنا الحالية، سنذهب وراء الشعب في البرية ونستقر معهم في ارض الموعد، سنبني معهم الهيكل ونذهب معهم الي السبي، سنسبح مع دواد النبي بمزاميره الشجيه، ونجري وراء أساف وانغمه البهية، ونسير وراء سليمان الحكيم وحكمته التربوية، في رحلة بديعة جميلة حتي الفداء والصليب وكنيسة الرسل، ونجري وراء اثار الغنم وكنيسة الاباء وكنيسة الشهداء، لنري اثر الليتورجيا في حياة هولاء القديسين نرصد ما يمكن رصده، لكي نصل الي غرضنا الاخير وهو ان نعبد عبادة حية حقيقية بالروح والحق، واصلي أن يكون الروح القدس الذي يصرخ فينا يا آبا الاب، هو مرشدنا في هذه الرحلة، لتكن كل كلمة في هذا البحث هي كلمة حقيقة تدفعنا الي الحياة مع الله وتعرفنا اكثر واكثر عن الثالوث القدوس، الكائن الناطق الحي بروحه الذي له المجد الدائم من الان والي الابد امين.
tt
هوامش:
1- راجع العظة من هذا الرابط هنا

رابط مختصر للمقالة: https://goo.gl/ahvR4K

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة