ما هي التوبة والمعمودية حسب المفهوم الارثوذكسي؟




فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَالُوا لِبُطْرُسَ وَلِسَائِرَ الرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟» 38 فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ : «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.[1] بمجرد قراءة هذه الاعداد نشعر بحنين الي اجواء الكنيسة الاولي، كنيسة الرسل، حيث فيض المواهب وفيض المحبة والكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعه الرسولية، ونشعر لوهله بقوة السلطان الكنسي، وتدبير الثالوث في الكنيسة.

ولكن ان بحثنا وراء السر الذي جعل "القديس بطرس الرسول" ينطق بكلمات قليلة فيؤمن الكثير من النفوس بالرغم من انه هو من "انكر المخلص!"، فلن نجد اجابة الا "عمل الروح القدس"، وحينما نسأل مع الحاضرون لهذه العظة «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟»، فيجيب القديس بطرس الرسول "تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" وبشيء من الايجاز ذكر القديس بطرس الحياة المسيحية في سطر واحد!!!

1- التوبة:

الكلمة اليونانية "μετάνοια" (ميطانويا) والتي اصبحت تنطق اليوم (ميطانيا) هي الكلمة التي استخدمها كتبة الكتاب المقدس للتعبير عن فعل التوبة وهي كلمة تعني "تغيير في الذهن"[2]. وحسب ذلك فان التوبة ليست كما يعتقد البعض انها محاولة الابتعاد عن الخطية، او حتي فعل الاعمال الصالحة الكثيرة او حتي ارضاء الله! حتي وان كانت كل هذه الاشياء حميدة ولكنها تعتبر ثمار للتوبة وليس العكس! او ليس هي التوبة نفسها! التوبة حسب المفهوم الكتابي هي تغيير يحدث داخل الذهن، اي قرار ياخذه الشخص داخل ذهنه في ان يغيير اتجاه حياته من السلوك في الظلام الي معرفة النور! وهي ليست ايضاً كما يعتقد البعض لمرة واحدة! بل انها متجددة كلما شعرنا في اعماقنا بوجود شيء من ظلام هذا العالم داخلنا، لابد لنا من تجديد قرار التوبة الذي اخذناه داخل ذهننا! وقد فهمت الكنيسة التوبة بهذه الطريقة فخرجت لنا جوهرة طقسية فريدة الا وهي "فعل الميطانيا"، نسمع كثيراً عن الميطانيات وكيف نقوم بعمل الميطانيا ويعتبرها البعض مجرد سجود علي الارض والقيام مرة اخري وتكرارها اكثر من مرة ولكن ما الفائدة من مثل هذا الفعل، هل الله يحتاج الي عبادتي بهذا الشكل؟! المسئلة في الميطانيا ليست متعلقة بالله!!!! بل علي العكس هي متعلقة بك انت كانسان! فالميطانيا كفعل هي فعل توبة وليس فعل عبادة علي عكس ما يفهم البعض، فالكنيسة تفهم الميطانيا كاننا قيام في الخطية فننزل علي الارض في خضوع تام، لنعلن عن خطايانا ونصرخ يارب ارحم، فياتي المسيح ويرفعنا من الخطية، ويملئ قلوبنا بالروح القدس ويقيمنا مرة اخري! وبهذا تقدم الكنيسة لنا جوهرة ثمينة تسمي بالميطانيا تشرح لنا الفهم الحقيقي للتوبة بفعل بسيطة جداً ولكنه عميق جدا!

2- المعمودية:

أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ[3] الماء تعطي للتوبة ولكن خلف الماء هناك فعل سري عميق يفعله المسيح نفسه هو اعطاء الروح القدس او كما يقول القديس متي "سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ"، فكنيستنا المستنيرة خلال ليتورجية المعمودية توضح لنا هذه الحقائق الايمانية، فتجد معظم الليتورجيات تتحدث عن الروح القدس ولاهوت الروح القدس وموهبة الروح القدس، ورموز الروح القدس مثل "الزيت وشجرة الزيتون" وغيرها، لانها تريد ان تاخذنا الي عمق اخر. فمجرد التفكير نقول وهل يفهم المولد حديثاً ذو ال 40 يوم بالنسبة للولد وال 80 يوم بالنسبة للبنت هذه الكلمات اللاهوتية العميقة عن الروح القدس؟! في الحقيقة هو لا يفهم لانه لا يدرك اصلاً ما يحدث بعد! ولكن الكنيسة وضعت شيء اكثر من رائع وهو الاشبين، وكلمة اشبين كلمة سريانية معناها وصي أو حارس أو مسئول أو مكلف بمسئولية محددة، وضعة الكنيسة طقس الاشبين لتخدم جزئين، فبالنسبة للمعمد الطفل يكون هذا الاشبين المعلم والمرشد في الطريق الروحي، معلم لما استلمه هذا الاشبين امام الله في المعمودية فيكون امين عليه حتي يسلمه مرة اخري للطفل خلال حياته، ومرشد حتي يريد المعمد الي الحياة الابداية ويغرس فيه معرفة الله منذ الطفولة.

وعلي هذا الاساس، يقبل الطفل الروح القدس منذ الطفولة في المعمودية، ويستمر عمل الروح فيه، وعمل التوبة او الميطانيا يحفظ عمل الروح القدس ثابتاً في ذهن هذا الطفل، فقط اذا كان هذا الاشبين الذي استلم عنه الايمان اميناً بما فيه الكفاية لكي يسلم الايمان كما استلمه للطفل، ولكن ان تنازل الاشبين عن دوره في تسليم الايمان، فبالطبيعي لن يستطيع هذا الطفل السلوك في الحياة الروحية وان ارد ان يسلك في الحياة الروحية بعد ما كبر فانه سيجد صعوبة لانه لم يستلم الايمان ولم يستلم التعليم عن الروح القدس التي قيلت في المعمودية فكانه يبدأ في البناء بدون اساس وهذا يظهر اهمية الاشبين في سر المعمودية وخطورة هذه المسئولية. وعلي هذا فان التوبة ملازمة للمعمودية وضرورية حتي تظهر قوة هذه المعمودية التي بالماء والروح في اجسادنا وارواحنا، فكلما قدمنا توبة نستعيد في هذه التوبة معموديتنا ويتجدد داخلنا عمل الروح القدس مرة اخري.

3- الشهادة بالكلمة:

لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».[4] من الواضح ان الرب يسوع ربط الشهادة عنه بحلول الروح القدس، لانه ان فكرنا بفكر روحي بسيط في هذا الامر نجد انه لا يستطيع احد في العالم كله ان يشهد عن اله لا يعرفه! فلا يمكن مطلقاً ان نقول اننا نعرف الله وروح الله لا يسكن فينا! وهذا ما قاله القديس بولس "... وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ." (كورينثوس الاولي 12: 3).

وهكذا يصير فعل التوبة والمعمودية متلازمان حتي يستيطع المسيحي ان يحيا حياة الشهادة عن الرب يسوع، ليس فقط شهادة بالقول ولكن شهادة حقيقة يقدمها بالسيرة الحسنة امام جميع الناس، وكلماته الروحانية التي تصف حياته العملية وليس فقط مجرد الكلام لن الحرف يقتل اما الروح فيوحي.

"كما أن حياة الجسد في العالم هي النفس، كذلك حياة النفس في العالم الأبدي السماوي، هي روح الله! لذلك يجب علي من يطلب الإيمان والاقتراب إلي الرب، أن يلتمس نوال الروح الإلهي منذ الآن، لأنه هو حياة النفس! ولهذه الغاية أكمل الرب مجيئه، ليمنح النفس روح القدوس منذ الآن، حياةً لها.. فإن كان احد لا يطلب منذ الآن وينال نور الروح الإلهي، حياة لنفسه، فإنه عند خروجه من الجسد يطرح علي اليسار في مواضع مظلمة، ولا يدخل ملكوت السماوات.. وأما النفس التي تسلك في نار الروح القدس وفي النور الإلهي، فإنها لا تصاب بضرر من الأرواح الشريرة، بل إذا ما اقترب أحدهم منها، فإنه يحترق من النار السماوية التي للروح"[5]

هوامش:

1- (اعمال الرسل 2: 37 - 38)
2- Strong's Greek 3341
3- (متي 3: 11)
4- (اعمال الرسل 1: 8)
5- القديس الانبا مقار الكبير اب برية شهيت - العظة 30: 5 - 6



رابط مختصر للمقالة: https://goo.gl/l0dNcE

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة